نسور قرطاج نحو جنوب افريقيا يطيرون

«أنا لا أطلب من وطني شيئا.. إنني أجد نفسي مكافأ بوفرة، بالهواء الذي استنشقه فيه.. أنا أريد ببساطة.. ألا يفسدوه على الاطلاق» هكذا قال «مونتسكيو» في دفاتره الشهيرة وأظنني أحذو حذوه في هذا الوقت بالذات الذي أستنشق فيه هواء البركة من هذا الشهر المبارك مضمخا بعطر الفرح الذي بثته عناصرنا الوطنية في كل شبر من الوطن..
الكرة غلبت الجوع والعطش.. والذين كانوا يتابعون عشية الأحد المباراة المثيرة في أبوجا التصقت أعينهم بأجهزة التلفزة وطارت عقولهم الى نيجيريا مختصرين المسافة الرابطة بين البلدين وحاضنين أبناء تونس فردا.. فردا.. ليس لأنهم اقتلعوا تعادلا في طعم الانتصار.. بل لأنهم كانوا «رجالا» في تعاملهم مع ردهات اللقاء بما يعزز ثقتنا فيهم وحلمنا بالعبور للمرة الخامسة الى مونديال الكبار.. فأن تسجل لك نيجيريا هدفا مبكرا ثم تعود عليها في نفس الدقيقة لتغالط حارسها فليس بالأمر الهين.. وأن تباغتك نيجيريا وسط تلك الأجواء البركانية بهدف قاتل في وقت قاتل لكنك لا تستسلم وتردّ عليها بإصابة مباشرة في الدقيقة التسعين فليس بالأمر الممكن حدوثه بصفة عادية لكنه حدث من مجموعة آمنت أن المستحيل ليس تونسيا وأن منتخب نيجيريا الذي صوّروه غولا لا يشق له غبار قابل في أية لحظة للانكسار خاصة عندما يجد أمامه منتخبا متجانسا في خطوطه الثلاثة تنبجس منه المفاجأة في كل حين من أي لاعب.. وأمام منافس كان يعرف دقائق مسؤوليته الكبيرة من الدقيقة الأولى الى الدقيقة الأخيرة..
ذلك هو منتخبنا الذي أمتعنا عشية الأحد بـ«طرح» كروي من أعلى طراز تكتيكيا وبدنيا وفنيا وبسيكولوجيا لنربك نيجيريا في عقر دارها ونفرض على جمهورها أن يلقي بكل المقذوفات على رؤوس زملاء «كانو» بعد نهاية اللقاء في لقطة اعتراف بأن تونس كانت الأحق والأجدر بالانتصار والتربع على المركز الأول بكل افتخار.
أقوى من النتيجة أن عناصرنا تعاملت مع المباراة بعقلية احترافية جديرة بالتنويه ويكفي الاشارة الى أن الردّ على الهدف النيجيري الأول كان بعد دقيقة واحدة أي أن ذلك الفاصل الزمني من البهتة والخوف والارتباك لم يدم.. بل هو لم يوجد أصلا.. قبل أن نبصم بالعشرة على صفة «النضج» ورباطة الجأش بهدف الدراجي في الدقيقة 90 والذي خلنا من خلاله أن رأس الدراجي «ثلاجة» بأتم معنى الكلمة.. لأن التعامل مع تلك الكرة في ذلك الوقت بتلك الكيفية كان شبيها بعملية انتحارية أكد من خلالها سامة أنه «الفتى الذهبي» للكرة التونسية..
لا أحد كان رديئا عشية الأحد رغم بعض الأخطاء.. ولا أحد شعرنا معه ومنه بالخوف.. فكلهم كانوا على قدر المسؤولية وكلهم استحقوا التحية لأنهم جميعا آمنوا بضرورة التواجد والحضور في أكبر حفلة كروية عالمية..
اليوم حافظنا على نقطتي الفارق على حساب منافس من العيار الثقيل وكم نتمنى ألاّ تلهينا هذه النتيجة عن بقية المواعيد حتى يكتمل حلمنا المشروع بالعبور الى مونديال يشهد التاريخ أنه لم يكن يوما «كبيرا» علينا..
على جناح الألم
ما أجمل أن تجلس تونس بكامل مكوناتها وتتسمّر أمام شاشة التلفزة وتدفع نسورها ـ ولو بالقلب وهو أضعف الايمان ـ الى المضيّ قدما نحو الكسب.. وما أقبح أن تخرج بعض الأطراف عن صراط المنطق والوطنية لتهتزّ فرحا عندما سجل مايكل اينرامو هدف الأسبقية النيجيرية.. فالترجي وإن التصق به شعار «يا دولة» لن يكون دولة داخل الدولة.. ثم ان الترجي بريء من هذه الفئة التي لا تفرّق بين مقاييس البطولة المحلية ومعايير «الوطنية»..

رغم أن كل اللاعبين الذين واجهوا نيجيريا يستحقون الثناء على ما أبدوه من ثقة في النفس واصرار على التألق، فإن بعضهم شكل علامة بارزة في محطة أبوجا ووجب التنويه بالمردود الذي قدموه..




//مردود اللاعبين







[size=12]* أيمن المثلوثي: بدا جاهزا ذهنيا للمباراة رغم أن مشاركته لم تكن متأكدة، ارتبك قليلا في بداية اللقاء وفاجأه هدف أوديموينجي في زاوية لم يحسن غلقها لكن هذا الهدف حرره وأكمل المباراة بدون اخطاء تقريبا..


* خالد السويسي: قدم الحد الأدنى المطلوب وأكمل المباراة بصعوبة على المستوى البدني. أثبت مرة أخرى أن [size=24][b]مكانه الطبيعي في محور الدفاع والاطار الفني يعي ذلك جيدا.

* ياسين الميكاري: لعب على امكانياته المعهودة، صلابة ودقة عند افتكاك الكرة ورغبة مستمرة في الصعود وللهجوم، كثيرا ما ترك صعوده فراغا على الجهة اليسرى لم يحسن زملاؤه تغطيتها وهوا ما تسبب في هدف نيجيريا الأول

* سيف غزال: نجح الى حد بعيد في تنظيم خط الدفاع ووظف خبرته الطويلة لصالح الفريق، غطى عديد المرات على صعود خالد السويسي أو التمركز الخاطئ لزملائه ولم يتدخل كثيرا بالرأس لأن المنافس تفادى الكرات الفضائية..

* كريم حقي: بداية ضعيفة في المباراة استغلها المنافس لخلق فرصتين وتسجيل الهدف الأول، استفاق بعد هذا الهدف فتألق في التغطية على الميكاري ومحاصرة أوديموينجي.

* خالد القربي: تحرك بلا هوادة، وأحيانا دون تركيز لكنه لم يجد توازنه المعهود وما دفع به الى ارتكاب بعض الاخطاء وأصيب اثر احداها،

* حسين الراقد: من أفضل اللاعبين التونسيين في هذه المباراة رغم اصابته التي كادت تحرمه من المشاركة. انسجامه كان كبيرا مع زملائه في وسط الميدان .

* نبيل تايدر: أثبت مستواه الكبير الذي من أجله ضمه كويلهو للمنتخب، الهدف الممتاز الذي سجله سيعطيه ثقة كبيرة في امكانياته .

* شوقي بن سعادة: من السلبيات القليلة في هذه المباراة، كان بعيدا عن مستواه وفاقدا للتركيز، امكانياته لا شك فيها لكنه لم يكن في يومه،

* أسامة الدراجي: بقطع النظر عن الهدف الممتاز (والصعب فنيا) الذي سجله، لم يرتق مردود الدراجي الى مستوى كبير، هذا اللاعب قادر على تحسين أدائه بشكل كبير لو لعب بثقة في النفس وشيء من الجرأة اللتين يتميز بهما في الترجي..

* عصام جمعة: كسب خبرة كبيرة وثقافة تكتيكية جعلته قادرا على اللعب في كل المراكز الهجومية لا فقط على الجهة اليسرى، خانته النجاعة واللمسة الأخيرة وإلا لسجل هدفا على الأقل..

* هيثم المرابط: المفاجأة السارة الثانية في هذه المباراة رغم أنه يلعب لأول مرة مع الفريق الحالي ودخوله في مباراة صعبة وتوقيت حساس جدا، قدم المرابط مردودا غزيرا فنيا وبدنيا وأظهر «صنعة» كبيرة خصوصا على مستوى التمركز.

[size=12]* زهير الذوادي: كان يستعد للدخول عند تسجيل هدف نيجيريا الثاني ولو دخل قبل ذلك لكانت النتيجة النهائية حتما مغايرة. أحدث الخطر في كل كرة لمسها وكشف عن امكانيات كبيرة على كويلهو أن يحسن توظيفها