نجوم لا تنطفئ: عتوقة أسطورة حية تحت العارضةنلقي الضوء على حارس المنتخب التونسي في كأس العالم ضمن برنامجها كل ثلاثاء.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]"فلان.. يا عتوقة".. أغنية ترددها جماهير الملاعب كلما تألق حارس مرمى أو أتى لقطة فنية بارعة.
من لم تنطق شفتاه بكلمة "عتوقة"؟ هذه العبارة التي تحولت منذ ستينات القرن الماضي إلى ماركة مسجلة في كرة القدم التونسية والعربية والإفريقية.
هو الصادق ساسي، الشهير بعتوقة، الحارس الأسطورة لمنتخب تونس والنادي الإفريقي. صال وجال على ملاعب تونس وإفريقيا على مدى سبعة عشر عاما بالتمام وبعد اعتزاله بثلاثين سنة تقريبا مازال اسمه متداول وصوته مسموع ويحلم حراس المرمى بتحقيق القليل جدا مما حققه.
بدايات في السابعة عشر ولد عتوقة في 15 نوفمبر 1945 في رحبة الغنم قرب ضاحية باب الجديد بالعاصمة التونسية. توفي والده وهو في سن الثامنة ووجد نفسه وحيدا يصارع الحياة وينهل من ينبوع الكرة. سرعان ما اكتشف كرة القدم فعشقها وجعل منها حياته وأهله ومتنفسه.
انطلق من "البطاحي" (الأنهج الفسيحة والحارات) في السيجومي والمركاض ورحبة الغنم (معقل الزعيم حاليا).
أمضى عام 1958 أول إجازة له في النادي الإفريقي، وبسرعة لفت انتباه "فابيو" المدرب التاريخي ذي الأصول الإيطالية وبسرعة صعد في سلم النجاح، ليجد نفسه ينافس "الزرقة" الحارس الذي كان عتوقة يعتبره مثله الأعلى ونجمه المفضل.
لعب عتوقة أول مباراة رسمية له في موسم 1962-1963 ضد النجم الساحلي وانهزم فيها بالعاصمة (0-1)، ومنذ ذلك التاريخ أصبح يتناوب على حراسة مرمى الإفريقي مع الزرقة حتى عاد هذا الأخير إلى الجزائر، موطنه الأصلي، فانطلقت ملحمة عتوقة مع المرمى.
وبسرعة أعجب بقدراته مدرب المنتخب الوطني آنذاك، الفرنسي أندريه جيرار، الذي عول عليه وهو في سن الـ17 في مباراة صعبة جدا ضد غانا في أكرا (1963) ومن أكرا انطلقت الملحمة الأفريقية لعتوقة.
15 عاما بلا منافس لم يترك عتوقة الفرصة لحارس أخر ليأخذ مكانه، أو حتى لينافسه فبعد عامين من التداول على مرمى المنتخب مع حارس النجم كانون احتكر عتوقة منذ 1965 هذا المركز وأصبح رمز التضحية والنجاح في تونس وخارجها، مما أهله لحراسة مرمى منتخب أفريقيا في كأس العالم المصغرة عام 1972 بالبرازيل.
فاز عتوقة مع النادي الإفريقي بأول بطولة تونسية في موسم 1963-1964 وهو موسم لم تقبل فيه شباكه سوى 10 أهداف فقط ولم يهزم إلا في مباراتين.
وازدادت ثقة عتوقة بنفسه وزادته الشهرة إصرارا على العمل والتطور، واعترف كل من عاصره أنه كان لاعب كرة قدم محترف بمعنى الكلمة في عصر لم يكن أحد يعرف للاحتراف معنى، ثم وواصل التألق وحصد الألقاب التي بلغت في النهاية ثمانية بطولات دوري وثلاثة كؤوس.
عتوقة دوليا أما على المستوى الدولي فلم ينجح عتوقة في حصد الألقاب التي بحث عنها رغم حرصه الشديد على ذلك، فمستوى المنتخب ككل كان آنذاك أضعف من عديد المنتخبات الأفريقية والأوروبية التي واجهها في تصفيات الكؤوس الإفريقية وكأس فلسطين وألعاب البحر الأبيض المتوسط والألعاب الأولمبية وكأس العالم.
لكن الحارس العملاق عوض عن غياب الألقاب بنحت مسيرة ذهبية في تصفيات كأس العالم 1978 بقيادته منتخب تونس إلى التأهل إلى الأرجنتين، بعد مباريات لن تمحي من الذاكرة التونسية ومواجهات تاريخية ضد نيجيريا والمغرب ومصر.
يوم 11 كانون الأول/ديسمبر 1977، حقق عتوقة، صاحب 32 ربيعا مع منتخب تونس حلم أجيال: التأهل إلى كأس العالم لكن الحلم الذي راوده طيلة عقدين بالمشاركة فيه لم يحصل.
كان أداء عتوقة خلال التحضيرات للمونديال سيئا وفاجأ المدرب عبد المجيد الشتالي كل العالم وعول في الأرجنتين على مختار النايلي، الحارس الشاب ومعوض عتوقة في النادي الإفريقي، بينما تابع عتوقة تألق زملائه في ملاعب روزاريو وقرطبة من على دكة الاحتياط.
كانت صدمة لعتوقة ولعشاقه، لكن العمر فعل فعله وكان لابد للملحمة من نهاية.
وأنهى عتوقة مسيرته في موسم 1978- 1979 ولعب في 27 أيار/مايو 1979 آخر "دربي" له ضد الترجي.
خصال فنية وإنسانية يقول من عاصروا عتوقة وشاهدوه على الميادين إنه كان يأتي ما يشبه السحر، فقد كان قادرا على أصعب الحركات ويرد الفعل في عشرٍ من الثانية ويقرأ لعب رفاقه ومنافسيه بقدرة عجيبة، كما عرف بقوة تأثيره في زملائه وفي المنافس وكان لمجرد وقوفه في المرمى وقع السحر الذي يشل المهاجمين ويجبرهم ويربكهم.
وقال عنه الحارس محمد العياشي، وهو بالنسبة لعتوقة ثاني أفضل الحراس بعد الزرقة: "كان أفضل منا بكل المقاييس، إن موهبته وسلطته على الميدان غير عاديين".
أما المنجي دلهوم المهاجم التاريخي لمنتخب تونس ولفريق سكك الحديد الصفاقسي فمازال مندهشا وهو يحدثنا عن إحدى اللقطات التي ما زالت منقوشة في ذاكرته: "اعتقدت أنني سجلت هدفا، لكن عتوقة أوقف من على خط المرمى تسديدتي القوية جدا ولا أعرف إلى اليوم كيف فعل ذلك!"
ويضيق المجال بسرد إبداعات عتوقة في الملاعب وبموهبته في صد ركلات الجزاء (والمهاجم المغربي الكبير فارس أكثر العارفين بذلك)، ووجها لوجه مع المهاجمين (نقطة قوته) وفي تسيير رفاقه والتأثير عليهم.
ولعتوقة خصال إنسانية يذكرها كل من عاشره عن قرب، ومازال يعرف بها إلى الآن.
فكان القائد والأخ الأكبر داخل الميدان وخارجه وله يشتكي اللاعبون شجونهم وينقلون احتياجاتهم، وبقدر الجدية وروح التضحية الذي عرف بهما عتوقة في التمارين والمباريات بقدر ما يتميز بخفة الروح والميل إلى الدعابة والمغامرات، وخصوصا أثناء المعسكرات الطويلة وفي الأوقات العصيبة.
وبشهادة عثمان جنيح والمنجي دلهوم ومحسن حباشة والمنصف طبقة وعلي الكعبي وغيرهم ممن عاصروا عتوقة كلاعبين وعاشروه خارج الميدان، كان حارس تونس الكبير ومازال إلى اليوم قبلة الرياضيين في كل الأندية والجهات يزورونه ويهاتفونه لاستعادة الذكريات أو لطلب مساعدته في قضاء حوائجهم عارفين أنه لن يردهم خائبين.
ويقول اللاعب الأسمر السابق محي الدين هبيطة عن فترة أواخر الستينات: "في غياب عتوقة، كنا نشعر في المنتخب أننا أيتام".
يقول عتوقة إن مسيرته في النادي الإفريقي والتأهل لكأس العالم 1978 "مصدر فخر" له أما أسوأ ذكرياته فهي الهزيمة في نهائي كأس أمم إفريقيا 1965 ضد غانا بتونس، وغيابه عن تشكيلة المنتخب في مونديال الأرجنتين.