في تونس = الثورة التي أطاحت بعرش الديكتاتور.. الشّعب في «محراب» الوطن!

الثورة التي أطاحت بعرش الديكتاتور.. الشّعب في «محراب» الوطن!

أنور الغريبي ٭

*الإهداء: إلى أيقونة ثورة «الكرامة» محمد البوعزيزي إلى كل الشهداء الذين خضّبت دماؤهم أرض الخضراء.

بين
الأصوات المحتجة في ساحة «محمد البوعزيزي» بسيدي بوزيد،وبين الحناجر
الهاتفة بسقوط الديكتاتور في شارع «الحبيب بورقيبة» بالعاصمة.. بين أول
رصاصة وآخر رصاصة أطلقت على الصدور «العارية» لصنّاع الثورة الهادرة في
مختلف المدن التونسية، يتسلل سؤال ملحّ وحارق ومربك.. هل تغيّر وجه الوطن
حقا؟

الإجابة تبدو عصيّة
ومخاتلة ومراوغة إلى حدود هذه اللحظة الفارقة على الأقل، فما إن تعتقد أنك
أمسكت بتلابيبها حتى تنفلت وتفرّ هاربة نحو المجهول وكأنها قدّت من زئبق.

عندما
انطلقت شرارة ثورة «الكرامة» ضد الاستبداد والقهر والظلم وقف الوطن لأول
مرة أمام المرآة دون مساحيق أو ماكياج فاكتشف ملامح وجهه الكالحة
والمتعبة..اكتشف حجم وهول المعاناة والحمل الثقيل الذي كان جاثما على
الصدور..انتقلت فورة الدماء الحارة كالعدوى تجوب المدن والقرى والشوارع
والأزقة..تدحرجت الشرارة التي أحرقت جسد البوعزيزي ككرة من لهب تضيء دروب
الحرية والعدل والمساواة المشتهاة.. كرة من نار أطاحت بعرش ديكتاتور لم يجد
بدّا من الفرار.. خانعا، ذليلا، منكسرا لا يملك قرارا.. لكن مرة أخرى هل
تغيّر وجه الوطن حقا؟

* من يزرع الريح...

أصرّت
سلطة النظام البائد منذ انطلاق الاحتجاجات في سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر
2010 على أنّ منطلقاتها مطالب اجتماعية صرفة، مخيّرة اعتماد نفس الأسلوب
والتكتيك الذي انتهجته في أزمة الحوض المنجمي ، وفي أحداث بن قردان،
والمتمثل أساسا في المعالجة الأمنية دون سواها، في حين أن محاولة الفصل بين
ماهو اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي لن يكون إلا تعسفيا، هذا التعاطي
ولئن نجح ولو نسبيا في إخماد الاحتجاجات السابقة، إلا أنه فشل فشلا ذريعا
هذه المرة، بل على العكس فقد ساهم في تأجيج شعلة الغضب مع سقوط كل شهيد أو
جريح يتخبط في دمائه برصاص «وطني « حرّ، لتتسع رقعة الانتفاضة الشعبية رغم
توالي القرارات الترقيعية والوعود الوهمية الساخرة في الحقيقة من أوجاع شعب
بدا ضعيفا ومشتتا وجبانا، لكن هيهات «فمن يزرع الريح يحصد العاصفة» .. تلك
طريقهم اختاروها طواعية فصمّوا آذانهم عن نداءات شاعر الخضراء أبي القاسم
الشابي الذي نظموا له بأنفسهم احتفالات رسمية بمناسبة مائوية مولده..»حذار
فتحت الرماد اللهيب» ..كلمات مثّلت التوصيف الأدق لشعب حاولوا بمختلف الطرق
تفقيره وتجهيله والاستخفاف بقدراته وذكائه.. فاختلقوا له المعارك والقضايا
الوهمية، وأسّسوا له الجمعيات والأحزاب «الورقية» (مع احترامنا لكل من
اختار التغريد خارج السّرب)، وصنعوا له الصناديق «الخشبية» للعب أدوار
انتخابية أو استثمارية أو حتى تضامنية.. أما من تمرّد و»عصى واستكبر»
فعاقبته لن تكون خارج دائرة المضايقة والهرسلة وربما الإيقاف والتجويع
والسجن والتعذيب.. شعب هدّته الوعود الزائفة، والانجازات «التاريخية» التي
تروّج له لها أبواق «البروبغاندا» الإعلامية صباح مساء بلغة خشبية مجّها
المواطن ولفظها إلى الأبد منذ سنوات، في حين أن الفساد والمحسوبية والرشوة
كانت تنخر كيان المجتمع.. فحلّ منطق الولاء المبني على التقارير الأمنية
محلّ الكفاءة في شغل المناصب، وعلاقات القرابة والمصاهرة والصداقة في
الاستئثار بالقروض والامتيازات وغيرها وهو ما أجبر المواطن في بعض الوضعيات
على الانخراط في دوامة دفع الرشاوى وتقديم الهدايا لتسيير أعماله أو حتى
للإفلات وتجاوز القوانين أحيانا، مما جرّ البلاد بفعل التراكم إلى نفق مظلم
وطريق مسدود.

*الحرية تهدى أيضا!

بعد
أن ضاق ذرعا بصمت أغلب النخب على الاستبداد والظلم والفساد انتفض الشعب،
وسار فيما يشبه الجوقة المتناسقة في طريق الانعتاق والحرية.. في لحظة
تاريخية فارقة فاجأت مختلف أجهزة النظام المخلوع، بل العالم بأسره قرّر
التمرّد وكسر الأصفاد..تخطى حواجز الخوف التي حاولوا زرعها في
الأنفس وآمن عفويا بكل القيم التي لطالما تشدّق بها «المنظّرون» فكان
بالفعل متقدّما في وعيه السياسي وفي سقف مطالبه عن النخب، مكذبا كل النعوت
والتهم التي ألصقت به كالميوعة والاستهتار واللامبالاة والجهل...يتقدمه
شباب طامح يتّقد حماسا وحيوية تربّى جله في عهد النظام البائد حتى أن البعض
أصبح يطلق عليه لقب «شباب التغيير» يحتل الشوارع والساحات العامة، ويشتبك
مع قوات مكافحة الشغب بشجاعة نادرة فاتحا صدره للعاصفة بإصرار غريب وغامض
ومحيّر في طريق قول كلمته الفصل مدويّة، صريحة دون مواربة «بن علي على برّه».

هذا
الشباب المنتفض على من صادر حريته واغتال أحلامه، استعمل كل الوسائل
المتاحة لتبليغ صوته وصرخته وأنشودته العابرة للأزمنة والأمكنة.. أنشودة
الحرية الخالدة..رددها ووثقها ودوّنها عبر كاميرات الهواتف الجوالة،
و»الفايس بوك» و»تويتر» متحدّيا الرقابة والقرصنة الالكترونية لتصل إلى
فضائيات ووكالات أنباء وإذاعات وصحف العالم بأسره في ظل إعلام محلي لم يرتق
إلى مستوى نبض وهموم الشارع.. إعلام مكبّل بالتعليمات و»بمنّات» وكالة
الاتصال الخارجي.. كل فرد تحول خلالها إلى مواطن صحفي ينقل أحداث الملحمة
التي أشرقت تفاصيلها من دماء الشهداء ومن
دموع الثكالى والأرامل والأيتام.. ملحمة كسرت الجدار العازل ووضعت تونس
هذه المرة في قلب العالم.. باختصار.. شباب قلب المعادلة رأسا على عقب..
حطّم الأصنام وأهدى النخب الحرية على طبق من ذهب ولكأنه يردّد بصوت واحد
كلمات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش:

أيها الساهرون! ألم تتعبوا

من مراقبة الضوء في ملحنا

ومن وهج الورد في جرحنا

ألم تتعبوا أيها الساهرون؟

واقفون هنا، قاعدون هنا

خالدون هنا

ولنا هدف واحد واحد واحد أن نكون.

* الضمير المتيقّظ:

اثر
نجاح الثورة في الإطاحة بحكم بن علي، وأثناء تفشي الانفلات الأمني خلال
الأيام الأولى من تاريخ تونس الجديد وقف الشعب وخاصة فئة الشباب في «محراب»
الوطن في خشوع مربك. قد تكون المرة الأولى فعلا التي تتأجّج فيها مشاعر
الوطنية الحقّة بعيدا عن وطنية «رياضية» مصطنعة أرادوا ترسيخها سابقا دون
سواها.. هناك من بكى في صمت.. وهناك من ترقرقت الدموع في مقلتيه خوفا من أن
تسرق أحلام الوطن.. في لحظة تاريخية مفصلية كذّب التونسيون جميع
التوقعات.. وانخرطوا دون تردد في مدّ تضامني عن طريق لجان دفاع مدني تنم عن
تحضّر ووعي عميق أبهر العالم ليقف سدا منيعا إلى جانب قوات الجيش الوطني
الباسل في التصدي لعمليات التخريب والحرق والنهب التي اقترفتها أيادي
عصابات مأجورة أرادت أن تئد منجزات الثورة في المهد.. في لحظة تاريخية
مفصلية تغيّرت صباحات الوطن الذي اكتشفنا مكامن جماله أخيرا كما
اكتشفها الروائي الجزائري واسيني الأعرج المحتفي دائما بلغته الباذخة في
كتابه «أنثى السراب».. «ما أجمل مدننا وقرانا في لحظات قفرها وتصحّرها. ما
أجمل نساءنا ونوافذ بيوتنا العتيقة. ما أجمل شوارعنا وروائح الأتربة التي
يعطرها المطر».

تونس
ما بعد الثورة أصبحت أجمل في عيون أبنائها، لذلك واصلوا المسيرة استعدادا
لقطف ثمار تضحياتهم.. التحفوا بالعلم المفدّى والتحموا في المظاهرات
والسلمية على إيقاع النشيد الوطني الذي اخترقت كلماته الآفاق.. عادوا
للإقبال بنهم على قراءة الصحف ومتابعة المحطات الإذاعية والقنوات
التلفزيونية الوطنية والمشاركة في برامجها بالرأي والنقد وان ببعض الفوضى
المفهومة نتيجة سياسة الكبت المريرة الممتدة على مدى أكثر من عقدين.. عادوا
متحفزين هذه المرة للحديث في السياسة.. نقاشات في البيوت والمقاهي
والشوارع.. مبادرات لتأسيس الأحزاب والجمعيات.. محاولات للتعرف على مختلف
التشكيلات السياسية التي طفت على السطح دفعة واحدة بعد سنوات الحصار.

أبناء
هذا الشعب أدركوا منذ البداية ثقل الأمانة الملقاة على عاتقهم فرددوا «لا
للانتكاسة».. وقفوا بالمرصاد «للحربائيين» الذين لطالما مجّدوا وطبّلوا
وزمّروا.. قطعوا الطريق أمام من حاولوا ركوب الأحداث وتنصيب أنفسهم أوصياء
على الآخرين، لأنهم ببساطة آمنوا أن ضمير الشعب المتيقظ سيبقى الحارس الوحيد لمكاسب الثورة.

* مدن صنعت التاريخ:

سيدي
بوزيد ومنزل بوزيان والرقاب والمكناسي وسوق الأحد ودوز والقصرين وتالة..
وما في باقي القائمة من أسماء تحوّلت إلى مدن تصدّر الثورة والكرامة
والحرية.. نفضت غبار النسيان واحتلت واجهة الأحداث العالمية.. وشّحت أحرف
أسمائها شاشات الفضائيات ومانشيتات الصحف في كل أصقاع الدنيا.. مدن وقرى
وأحياء شعبية صنعت التاريخ وأثبتت أن الشعوب حية لا تموت فارتسمت في
الأذهان رمزا وثورة قال عنها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل أنها «أطاحت
بالمشروع الغربي للسيطرة على الشرق الأوسط».. ثورة.. بدأت أول ملامح
ارتداداتها المدوية تتجلى في عدد من دول المنطقة من بينها الجزائر واليمن
والأردن وخاصة مصر التي استعارت أساليب الاحتجاج، والتعبئة الجماهيرية عبر
وسائل الاتصال الحديثة، وطرق التعامل مع قوات مكافحة الشغب والغاز المسيل
للدموع.. شكّلت نفس لجان الدفاع المدني وردّدت نفس الشعارات، بل ورفعت
العلم التونسي في مظاهراتها هاتفة «الحقوها،الحقوها.. التوانسة ولّعوها»..
يبدو أن السيناريو يعيد نفسه.. وأن هبوب رياح التغيير على خارطة المنطقة
الجيوسياسية آتية لامحالة.

ماذا
بقي الآن بعد الزلزال؟ قطعا مرحلة الانتقال الديمقراطي التي باتت الهاجس
الأهم لكل وطني غيور بعيدا عن نظريات المؤامرة والحسابات السياسوية المقيتة
والمصالح الشخصية الضيقة في انتظار التفرغ إلى مرحلة البناء والتشييد..
بناء وطن جديد بطعم الحرية والعدالة والكرامة.

تلك
تونس الخضراء ما بعد 14 جانفي 2011.. البلد الصغير الذي أثار إعجاب
العالم.. تأكدوا أنه إذا ما نجح في جني ثمار ثورته سيتحوّل إلى «مزار» وإلى
نموذج يرسم غده الأجمل والأرقى بفكر وسواعد أبنائه الشرفاء لافظا «مصّاصي
الدماء» الذين لا نملك إلا أن نقول لهم أخيرا على لسان الروائية
أحلام مستغانمي «أيها القوادون.. السراقون.. القتلة.. لن تسرقوا دمنا
أيضا. املأوا جيوبكم بما شئتم.. أثثوا بيوتكم بما شئتم..وحساباتكم بأية
عملة شئتم.. سيبقى لنا الدم والذاكرة.بهما سنحاسبكم.. بهما سنطاردكم.. بهما
سنعمّر هذا الوطن من جديد

» الف مبروك لكل الناجحين في تونس وفي الوطن العربي
» تونس – أنغولا ( 3- 0): اعتصامات واحتجاجات في تونس وقذائف تونسية في أم درمان....تونس بطلة "الشان"
» Message ‎رجاء الحاج منصور ضد السبسي عدو الثورة‎ رجاء الحاج منصور ضد السبسي عدو الثورة
» انتبهوا يا حراس الثورة..........
» الأهلي المصري يصل ظهر غد إلى تونس:" سينما " البدري تتواصل لضمان كوفي كودجا جديد في تونس..و"كذبة" للتشويش على الدراجي... !