[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]سبها
ـ الصريح/ من مبعوثنا إلى ليبيا: محمد عبد المؤمن - العمل في ليبيا زمن
الحرب صعب جدا فالوضع خطير والمفاجآت قد تعترضك في أي مكان والخشية من قصف
مفاجئ من هنا أو هناك أمر وارد زد على ذلك الصعوبة في العمل الصحفي ذاته
فأول شروطه التحرر من كل القيود وأولها الخوف وهو شعور طبيعي وليس هناك بشر
أي كان لا يعتريه هذا الشعور لكن ميزة الصحفي أنه يدوس على كل الهواجس
ويريد أن يغامر ليصل إلى المعلومة والصورة وهذا أمر لم يكن متاحا في الكثير
من الأحيان ولو أنه أتيح في أحيان أخرى.الصحفي لا يريد أن تتحول المرافقة إلى ضغط فأي طرف نلتقيه هو مادة
إعلامية لكن هذه المادة قد تكون في الكثير من الأحيان ناقصة فأي طرف قد
يخفي موقفه أو يعدله خوفا من المرافقة لكن مع هذا حاولت أن أحصل على مادتي
في الأوقات التي لا أكون فيها مرافقا.
الأمر الثاني هو أن الحصول
على المادة والمعلومة لن يكون مفيدا بالكامل إلا إذا توفرت وسائل إيصاله
وهذا ما فقدته أو بالأصح فقده جلنا بسبب عدم توفر وسائل الاتصال والانقطاع
الكامل في سبها للأنترنات وعدم الوصول إلى فاكس لكن رغم ذلك اجتهدت لجمع
المادة والشهادات وكان «سلاحي» القلم والورق وآلة التصوير لكن مع ذلك يجب
أن اعترف بأنه لم تكن هناك ضغوطات أو إملاءات بل العمل كان حرا رغم عدم
التمكن من التنقل إلى كل الأماكن التي كنت أريد التنقل إليها والعذر أن
الزمن زمن حرب وهذه المناطق خطرة جدا لكن مع هذا فالصحفي قد لا يقبل العذر
لأنه قد ينسى هذه المسائل في خضم عمله.
رصاص كثيفحوالي الساعة التاسعة وقد كنا في قاعة استقبال بأحد النزل في مدينة
سبها دوى اطلاق عنيف للرصاص من كل حدب وصوب وأدركنا من الأصوات أن مكان هذه
الطلقات قريبة جدا والوضع كان مرعبا فالواجهات بلورية والرصاص يمكن أن يمر
من خلالها بسهولة كبيرة أول ما شاهدته حينها أن الفريق الصحفي سارع
بالاختباء تحت احدى الطاولات للحماية وهذا أمر طبيعي لمن كان يبحث عن
السلامة ولمن يجيد التعامل مع مثل هذه المواقف لكن أيضا في مقابل هذا أسرع
صحفيو الفريق التونسي نحو الباب الخارجي بطريقة حذرة بل لعلها حذرة أقل من
اللازم لتصوير المشهد ومعرفة ما يحصل في الخارج وقد كان الظلام مخيما على
المكان طبعا لم نعرف ما حصل بالتدقيق فبعد لحظات اختفى كل شيء وعاد الهدوء
وأعلمنا البعض ممن كانوا في الخارج بأن بعض السكان يحتفلون بإعادة سيطرة
قوات القذافي على رأس لانوف هذا ما نقل إلينا وأنا لا أقر هذا الأمر ولا
أنفيه خاصة وأنه بعد دقائق انتهت الى مسامعنا أصوات متقطعة لاطلاق الرصاص.
التوماهوك يهز الأرض هزاساعات الليل الأولى سارت في هدوء ولكنه هدوء موحش يتخلله اطلاق
للرصاص من بعيد قد يكون رصاص الاحتفال أو تدريبات وقد يكون أشياء أخرى لكن
مع اقتراب انبلاج الصبح وقد كنت نائما شبه مستيقظ هز المكان انفجار عنيف رج
المكان ومن صوته أدركت أنه لا يبعد مسافة كبيرة عن تواجدنا هذا الصاروخ
التوماهوكي أحدث صوتا مرعبا وأطلق أضواء في مكان كبير. وقد علمنا في الصباح
أن تبعاته الارتجاجية وصلت إلى مسافة 200 كلم من مكان انفجاره.
أضرار على المدنيينمما لاحظته في سبها هو أن التحالف والناتو وكان قد دخل العمليات
حينها لم يقم بقصف مناطق مدنية لكن قوة صواريخ التوماهوك والكروز وصلت إلى
الأحياء السكنية وأحدثت أضرارا فادحة.
في الصباح انتقلنا في جولة في
أماكن عديدة في سبها في محاولة رصد آثار الصواريخ الأمريكية على المدينة
ولحسن الحظ لم نلحظ قصفا مباشرا للمناطق المدنية لكن مع هذا فالضحايا سقطوا
بهذه الصواريخ التي يطلقها الأمريكان قوية وعنيفة جدا وآثارها قد تمتد لك
لمرات وأول المنازل التي زرناها كانت منزل الحاج نورالدين وهو شيخ ليبي طلب
منا أن ندخل حوشه ونلاحظ بأنفسنا ما حصل وما شاهدته هو أن الطابق الأول
دمر بالكامل تقريبا جراء شظية صاروخية أو قذيفة بمعنى أنه يستبعد أن يكون
التوماهوك قد سقط هناك أو قريبا من هناك وإلا لنسف المكان بالكامل.
الحاج
نوالدين حدثنا عن تلك الليلة حيث قال: «كنا نائمون أنا وأبنائي وزوجتي في
الطابق الأرضي فقد كنا نستخدم الطابق العلوي لأغراض أخرى ومن لطف الله أن
أحدا لم يكن نائما فيه في تلك الليلة وفجأة أفقنا على صوت انفجار ضخم وحدثت
حالة من الرعب والفوضى وجرينا كلنا نحو الخارج بما في ذلك الأطفال وفي
الخارج شاهدت عائلات كثيرة تهرع هي الأخرى للشارع بثياب النوم الأمر كان
مرعبا.
منزل آخر انتقلنا إليه حدثنا صاحبه قائلا: «كان الوقت
الرابعة والربع صباحا عندما دوى انفجار كبير مفزع في الطابق العلوي أحدث
الرعب في نفوسنا فخرجنا جميعا إلى الشارع ورأينا النيران تلتهم المكان ما
أدى إلى انفجار قارورة الغاز ما زاد الأمر سوء.
برونو يحللبرونو هو مصور صحفي بلجيكي اشتغل في أماكن ساخنة عديدة في العالم
منها العراق وأفغانستان ولبنان هذا المصور صاحب الخبرة الكبيرة من خلال
سنوات عمله حلل لنا الوضع قائلا: ما حدث في هذه المنازل ليس إصابة مباشرة
من صاروخ أمريكي وإلا لنسف الشارع بأكمل لكن هناك ترجيحات الأولى أن شظايا
الصاروخ وصلت إلى المناطق السكنية والأمر الثانية هو احتمال أن يكون
الناتو قصف مخزنا للذخيرة والصواريخ فانفجرت وتطاير بعضها نحو المنازل
الآهلة لكن مع هذا لا يمكن تبرير الأمر فالناتو يتحمل مسؤولية سقوط ضحايا
من المدنيين.
في مدرسة فزانهذا السيناريو الذي وصفه وحلله لنا «برونو» لم يحصل في المنازل
الآهلة فقط بل امتد إلى المدارس أيضا وكمثال قمنا بزيارة مدرسة فزان بسبها
وطبعا فالأمر كما حدث في عدد من المنازل فلم يكن هناك استهداف مباشر لكن
تبعات القصف وصلت إلى هذه المدرسة وغيرها من المؤسسات العمومية وما لاحظته
هناك هو تصدع كبير في النوافذ وتحطم لمعدات تربوية من ذلك مخبر الإعلامية
وما أكد لي أن الأمر لم يكن بسبب قصف مباشر من الناتو هو وجود شظايا صواريخ
ليست كبيرة فهي بين المتر والأقل من ذلك ما يعني أنها إما كاتيوشا أو
غراد.
بروباغندامحطة أخرى انتقلنا إليها وهي اجتماع لشيوخ قبائل سبها لكن يمكن أن
يكون هذا الاجتماع خاص للقاء مع الفريق الإعلامي فبمجرد وصولنا بدأت
الهتافات العالية بحياة القذافي وإظهار الولاء له ولنظامه بل ما لاحظته
مبالغة في الأمر إلى درجة التصنع والأمر قد يكون مفهوما في هذه المنطقة
حظيت باهتمام كبير من النظام على مستوى البنية التحتية وغيرها ثم أن
المعارك لم تنتقل إلى الجنوب لكن مع هذا وللأمانة الصحفية فهناك أشخاص
التقيتهم كانوا يعبرون عن ولائهم الكامل للقذافي حتى من الشباب وهذا الأمر
لا أحكم عليه فأنا أنقل الظاهر والله يتولى السرائر فقد يكون الكثير من
الناس هم فعلا موالون للنظام قد يكون هناك آخرون يضمرون ما لا يكشفون وعلم
ذلك عند ربي.