قالت له «الدقازة» ذات يوم ستصبح رئيسا لكن أرى في كفك الدم
إقالة الحبيب عمار والهادي البكوش كانت بداية تسرب العواصفالبشير فتح الله هو مؤسس الحزب الجمهوري للحرية والعدالة.. وهو ايضا احد رجال الخفاء الذين عهد لهم بورقيبة وبن علي مسؤوليات في دواليب الداخلية وقصر قرطاج حيث كان شاهدا علي مناورات المد والجزر بين قيادات والوزراء منذ انقلاب 1987 على الزعيم بورقيبة.
من هو هذا الرجل وكيف استقدمه بن علي الى منظومته الامنية والسياسية؟ ماذا يعرف عن بن علي الرجل والاستخباراتي والسياسي؟ عن مثل هذه الاسئلة وغيرها كشف السيد البشير فتح الله خفايا شخصية المخلوع وكيف طوقتها «بنت الطرابلسية» واحكمت تسييرها في هذا الحوار الخاص لـ«الصحافة».
من هو البشير فتح الله؟ ما هو تكوينه العلمي والمهني وما الذي اتى به الى عالم الاحزاب والنشاط السياسي؟
أنا من مواليد سنة 1944، تلقيت دراسة قانونية واقتصادية باشرت عدة وظائف بوزارة التخطيط والمالية... اسست مركز النهوض بالصادرات واشتغلت بوزارة الاقتصاد والتجارة وكنت دائما أشغل خطة في ديوان الوزير... وفي سنة 1980 غادرت وزارة الاقتصاد الى وزارة الداخلية حتى سنة 1988حيث كلفت بمهمة بديوان وزير الداخلية وعملت انذاك مع أربعة وزراء على التوالي من بينهم ادريس قيقة ثم محمد مزالي وزيرا أول ووزيرا للداخلية عندئذ كان بن علي كاتب دولة للأمن... وبقيت في الديوان وبن علي وزيرا للداخلية ثم مع الحبيب عمار بعد ان أزاح بن علي بورقيبة عن الحكم.
هل كنت قريبا من بن علي، كيف تراه هل كانت له ثقافة اقتصادية أو مالية هل لمست فيه ما يؤهله لتسيير شؤون دولة؟
بن علي كان رجل استخبارات ولم تكن لديه أية ثقافة اقتصادية او مالية، وكانت علاقتي به تتولد من هذا الباب بمعنى الباب الأمني الاستخباراتي كان دائم الهلع والخوف يكاد يخاف من ظله، لقد أصبح هكذا منذ ان قالت له «دقازة» انه سيصبح رئيسا للدولة وانها ترى الدم في كفه منذ تلك اللحظة أصبح يعيش في ذعر وخوف.
في بداية فيفري 1988 استقدمني بن علي الى جانبه بقصر قرطاج وعينني كاتبا خاصا له ومستشارا واعتقد انه فعل ذلك لأنه كان في حاجة الى متخصص في الاقتصاد والمالية.. وكانت تلك المهمة أول عمل يجمعني به مباشرة وكل يوم حيث كنت أصحبه في الزيارات الميدانية التي كان يقوم بها في بداية توليه الحكم.. عندئذ كان رجلا صادقا ومتحسما وكانت له رغبة جامحة في الاحتكاك بالشعب وكل الفئات المهنية من خلال الزيارات الميدانية ومن خلال القرارات التي كان يتخذها، كانت سريعة وفاعلة في اطار مجلس وزاري عاجل ويتعهد الوزراء بتنفيذ قراراته.
فبين سنتي 1987 و1989 كانت الانطلاقة متميزة وعملية ولصيقة لمشاغل الناس واهتماماتهم.. ولعل «الهباطة» وعملة سوق الجملة ببئر القصعة مازالوا يذكرون تلك الزيارة التي قام بها فجر احد أيام رمضان سنة 1988 في تلك الفترة لم تكن هناك تأثيرات معينة... كنت اشعر انه صادق بل كان صادقا... كنا نعمل في جو من الفرحة من أجل تونس.
اذا ما الذي حدث حتى يتحول هذا الرجل عن صدقه ان كان فعلا صادقا ويترك المنافذ لتيارات ما تعصف به وتفتح المجال للابتزاز؟
في سنة 1989 قام بن علي بإزاحة الحبيب عمار من وزارة الداخلية واقالة الهادي البكوش من الوزارة الاولى بسبب المناورات التي كان يقوم بها فريق كمال اللطيف وسليم شيبوب بسبب مطالب وحسابات توظيفية لم تبلغ آنذاك مراحل تصرفات وسلوكيات «الطرابلسية» ... كان الرجل في تلك السنوات الأولى يتحرك بحذر ولم يكن يتدخل لفائدة عائلته سوى في الإطار القانوني والمعمول به.
ـ لكن علاقته بليلى الطرابلسي كانت قائمة وهو مازال لم يرتق بعد الى خطة كاتب دولة للأمن ؟
نعم كنّا جميعا في وزارة الداخلية على علم بهذه العلاقة، وأذكر جيّدا انه هدد في سنة 1985 بابعادها الى المانيا لكن بعض المقربين منه نصحوه بتجنب ذلك حتى لا تسيء له خارج البلاد والحال انها انجبت منه بنتا ... وبعد تحوله الى الحكم بقصر قرطاج تطورت هذه العلاقة واستطاعت ليلى أن تكسّر الجدار الأمني لبن علي ... لقد كان لديه شبكة قوية للإستعلامات موازية لشبكة الاستعلامات لوزارة الداخلية، تؤمن له الأخبار والمعلومات آنيا وكانت تتكون من المسؤولين في دواليب الدولة هذه الشبكة استطاعت ليلى الطرابلسية ان تخترقها وان تطردهم من القصر ... بحثنا عن السرّ لكننا لم نستطع فهم ذلك.
ـ يقال أن ذلك بفعل السحر وقد شاع أنها من هواة زيارة المشعوذين ؟
قد يكون ذلك صحيحا خاصة وأن الاشاعات في القصر ودواليب الدولة تروّج أن سفيرا في المغرب كان يؤمن علاقتها بكبار «العزامة» في المغرب لجلب السحر.
ـ هل كان ذلك كافيا لاحكام تسيير شخصية رجل قاد انقلابا وافتك مقاليد السلطة ؟
هناك عاملان محوريان غيّرا حياة الرجل تغييرا جذريا وبـ 180 درجة فتحولت شخصيته وزادت تعقدا بل وأضعفت شخصيته هما الزواج من ليلى الطرابلسي وانجاب طفل فهذا الرجل الخجول والمذعور اصبح متسلطا وملهوفا على المال، وقد استطاعت ليلى أن تحكم استغلال نقاط ضعفه وخاصة سرعة تأثره وبالتالي تسرعه في اتخاذ القرارات، هذا الضعف تحديدا كان في نظري الخيط القوي الذي امسكت به ليلى الطرابلسي لاحكام السيطرة على بن علي.
وقد تجلى هذا السلوك في الفترة الممتدة من سنة 1995 الى سنة 2000 حيث بدأت الامور تنزلق وتسوء ولم يكن يحظى بالتقرب من بن علي والبقاء في منظومة حكمه سوى من استغل نقاط ضعفه وهذا السلوك للحفاظ على مصالحه وضرب الاخرين، وهذا السلوك كان سبب ابعاد وطرد المسؤولين والوزراء والسفراء وكانت تسعى لكي يبعد بن علي كل من اشتمت فيه الوفاء، وانطلقت في هذه الفترة رحلة تضاعف عدد المستشارين حيث بلغ العشرات بعد ان كنا 4 مستشارين فقط سنة 1987 (أنا وجمال الدين الشيشتي ومنصر الرويسي ومحمد الجريء)، وبدأ التاريخ يعيد نفسه فمع بورقيبة أرادت وسيلة أخذ مشعل التأثير على أعضاء الحكومة، لكن رفض بورقيبة تصرفاتها وقرر طلاقها، وجاءت ليلى الطرابلسي الى القصر وتزوجها بن علي وكان يعرف تسلطها وتسلط افراد عائلتها ... كان لوسيلة تأثير على بورقيبة حيث كانت تتدخل لتعديل الكفة في اتخاذ القرارات ... وكانت ليلى هي صاحبة القرار والتنفيذ كانت تعيّن وتقيل الوزراء.
ـ لقد تحدث طباخ الرئيس السابق عن سلوكيات استغربها الشعب التونسي، فهل كنت شاهدا على بعضها او مثلها ؟
إنّ ما رواه طباخ الرئيس المخلوع قد يكون صحيحا عندما نعجز عن التفسير الموضوعي لتلك السلوكيات والتصرفات التي تعبّر على اللهفة والجشع فنقول لقد كان الرجل مسحورا ... ومعرفتي ببن علي الى حدود 1989 بيّنت رجلا متقشفا لم نكن اكثر من عشرة اشخاص في كتابته الخاصة وكنا نأكل القليل العادي ... اما ان يتحول من التقشف الى التبذير المفرط فلا اعتقد ان الطباخ كان يكذب خصوصا انها كانت «تطعم» كامل عائلاتها.
ـ أسست حزب «الحزب الجمهوري للحرية والعدالة»، ألست متهما بالولاء لبـن علي ؟
لقد عملت مع بن علي رئيسا من 1987 الى 1989 ... فترة لم تبلغ السنتين كلفتني نعوتا عديدة وهناك من وصفني برمز الفساد ... لكن من عمل معي في شركة «ستيل» سنة 1993 ووكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية حيث عيّنت رئيسا مديرا عاما يعرف مدى حرصي على تطبيق القانون لأتجنب الوقوع في التجاوزات وبالتالي فذلك لم يمنعني من تأسيس هذا الحزب الذي يضم الى حد الان 1500 منخرط ليس لنا جميعا اي لون سياسي .. سنعمل وسنكون بالمرصاد لمن وعد ببرنامج ولم يتعهد به «سأكون معارضا لتثبيت الديمقراطية».