[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]لطفي حجي
عجبت لأمر أناس يصيبهم الفزع كلما استمعوا إلى مصطلح تحصين الثورة.
وعجبت كذلك من الحملة المسعورة التي طالت كتلا نيابية بالمجلس الوطني التأسيسي تقدمت بم
شروع قانون لتحصين الثورة.
واندهشت لسياسيين كانوا قبل الثورة في طليعة المعارضين للتجمع ولأساليبه
القمعية فصاروا اليوم من أشرس المعارضين لقانون يحصن الثورة.
وتساءلت ما الذي غيرهم؟ أهي الايدولوجيا التي منعتهم من التمييز بين حماية أهداف الثورة وبين مواقف
خصومهم الإيديولوجيين؟ أم هي المصلحة الخاصة التي تجعل صاحبها لا يفرق بين
المصلحة الوطنية الدائمة والمتعالية عن الأفراد، وبين المنفعة الذاتية
المحدودة في القيمة والزمن؟ أم ـ حتى نكون حسني النية ـ ضياع البوصلة وسط
تلاطم الأمواج السياسية التي غيرة المعادلات؟
لم أجد الجواب لأنه ليس
يسيرا، فمعادن عدد من الرجال الذين اقصدهم كانت جيدة طوال فترة نضالهم ضد
التجمع ولم يساوموا في المبادئ، ولم يكل عزمهم وقدموا تضحيات جسيمة. ومن
شدة اقتناعي بمعادنهم قلت في نفسي لعلهم على حق ولا تحتاج الثورة إلى تحصين
والى قوانين تحميها؟
لكنني تداركت عندما عاد بي شريط الأحداث إلى ما
قبل الثورة عندما كان التجمع في أوج نشاطه، وتذكرت قصصا صادفتني عن أناس
ذاقوا الأمرين من التجمع على الرغم من أنهم ليسوا مناضلين سياسيين أو فكروا
يوما أن يقتحموا عالم السياسة.
فذاكرة الشعب تختزن كوابيس من ممارسات
التجمع، فالكل يتذكر أن الانتدابات في اغلب القطاعات والتعيينات في
المسؤوليات الإدارية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية وغيرها يكون على
قاعدة الانتماء والولاء للتجمع حتى أصبحت قاعدة عامة وعمقت أساليب الولاء
والتملق والنفاق. ولعل من أطرف ما تذكرت تلك القصة التي رواها لي احد
الأصدقاء مر بين يديه احد الملفات بخصوص شخص طلب رخصة مشروع فأعد في شأنه
تقريرا امنيا ذيله صاحبة بجملة معبرة للغاية أفسدت على صاحبنا الرخصة وهي
الجملة التالية: "إذا عرض عليه الانتماء للتجمع والحصول على بطاقة الانخراط
أبدى تململا" فحتى التململ يحاسب عليه المرء لأنه مدخل للشك في إيمانه
بالحزب وفي عميق ولائه.
وشعبنا يتذكر جيدا ما قامت به الشعب التجمعية
في الأحياء، فقد كان دورها أساسيا في عمل البوليس السياسي، بل هو اخطر من
دور البوليس لان الشعبة متغلغلة في الأحياء ووسط السكان فهي التي تعرف
الأسماء والحالات العائلية وهي التي تكتب التقارير إلى الأمن السياسي،
ولعله من المفيد هنا أن نشير إلى شهادة عبد الله القلال وزير الداخلية في
عهد بن علي الذي اعترف بوجود جهازي مخابرات خارج وزارة الداخلية الأول في
احد الفنادق وسط العاصمة والثاني بالتجمع الدستوري الديمقراطي ويعملان
مباشرة مع رئاسة الجمهورية.
وقد سبق لي أن عاينت هذا الجهاز المخابراتي
الذي خصص له طابقا كاملا في مبنى التجمع حين أجريت تحقيقا عن المبنى
المركزي للتجمع في الذكرى الأولى للثورة ووثقت ذلك بالصورة وصعقت بحجم
الوثائق الخباراتية الواردة من المخبرين من كل مكان بتونس والتي تمس حياة
الناس في تفاصيلها الخاصة في العمل والسياسة وغيرها بما يعني تأطيرا محكما
للمجتمع حتى لا يترك المخبرون شاردة ولا واردة إلا أحصوها وتكون عيونهم على
كل مواطن بما يعمق الخوف والرعب لدى المواطنين وهو الأسلوب الذي كان يحكم
به التجمع.
جاءت ثورة الحرية لتضح حدا لتلك الممارسات وللقطع معها قطعا
كليا ونهائيا، ومحاسبة من ارتكب مثل تلك الممارسات في حق المواطنين، لان
من ارتكبها يكون ساهم في حرمان المواطنين من حقوقهم الأساسية ، وحرم عائلات
بأسرها من دخل قار ، وادخل الناس ظلما إلى السجن ، وشرد أطفالا ويتم آخرين
، وتلك ممارسات يعاقب عليها القانون .
وبعيدا عن أسلوب العقاب
الجماعي، وبعيدا عن الجدل السياسي الدائر الآن هل يكون معاقبة أولئك بقانون
يسنه المجلس التأسيسي أم بالقضاء فقط،بعيدا عن كل ذلك فإننا نتساءل ألا
تحتاج العقول المدبرة لتلك السياسة القمعية الممنهجة أن تبتعد عن المشهد
السياسي وان ينساها الشعب لأنه عانى منها طويلا؟
لماذا تقصر ذاكرتنا
إلى هذا الحد الذي نصبح ندافع فيه عن جلادي الأمس؟ خاصة ونحن نشاهد محاولات
إعلامية متكررة لتبييض صورة مسؤوليين أمنيين في عهد بن علي اشرفوا بأيديهم
عن تعذيب السياسيين والقتل تحت التعذيب ؟ وسياسيين برروا ذلك ودافعوا عته
بأقصى قوة وبرروه بالقانون والفلسفة والعلم وغيرها من الأساليب التي شنفوا
بها آذاننا على امتداد سنوات.
ما نعيشه اليوم من جدل والذي دفع الناس
نحو التطاول على الثورة مثل النائب بالمجلس التأسيسي والذي قال صراحة حسب
ما صرحوا به زملائه" ان التجمع سيدكم" هكذ
ما جعل من هب ودب يتطاول على
ثورتنا هي إننا أنجزنا ثورة لكننا لم نؤسس لحكومة ثورة مباشرة بعد الرابع
عشر من جانفي مباشرة، مما سمح للعديد من المجرمين في حق الشعب من تبديل
جلودهم وسمح للبعض الآخر من الانحناء للعاصفة ثم العودة من أبواب أخرى يقوه
إلى درجة إن عاد مع رجوعهم الحديث عن إمكانية الثورة المضادة والتخوف
الشديد من ذلك.
لا يعني تحصين الثورة نصب المشانق أو العقاب خارج إطار
القانون كما فعلت ثورات أخرى لان ذلك يخلط الذاتي بالموضوعي ويدخل البلد في
دوامة تصفية الحسابات الشخصية، لكن ذلك لا يعني أيضا عدم ضبط قانون يحصن
الثورة، ولا يعني التساهل مع كل من غنم من النظام السابق ويريد توظيف
غنائمه اليوم لتدمير الثورة ، ومع من أجرم في حق المواطنين ويريد اليوم
توظيف عبقريته الإجرامية في إفساد ما أنجزه الشعب التونسي والتشكيك في
الثورة عامة.
ولماذا يخشى من يقول إنه بريء قانونا مماثلا؟ وما الفائدة من أن يتلون التجمعيون في جلود جديدة؟ الم يجربهم الشعب وفشلوا؟
نحتاج إلى يقظة شديدة لحماية أهداف الثورة حتى لا ينحرف بها أي طرف كان ،
كما نحتاج إلى إعادة الفرز السياسي بين الحريصين فعليا على أهداف الثورة،
وبين من يعتبرونها أداة للمتاجرة لإعادة بناء تجربة سياسية عان منها الشعب
طويلا. ولا يجب أن ينسى مناضلو الأمس ذلك لاعتبارات إيديولوجية آو انتخابية
لان نسيانهم يعني ضياع الكثير من أهداف الثورة وتسلل أعدائها عبر ثنايا
تلك الحسابات الخاطئة